مؤشرات البناء النفسي لشخصية الإنسان المستوحاة من فضل زيارة أربعينية الإمام الحسين ع في ضوء أحاديث وروايات آل البيت ع

Abstract

الملخص لعل من أبرز ملامح النهضة الحسينية أن الأقلام كلما عاودتها وجدت فيها عطاءً ثراَ ومنبعاً جديداً ومنهلاً معطاءً، وهذا خلاف ما عليه الكثير من الموضوعات التي تطرقت اليها تلك الاقلام. ومعلوم انَّ كل باحث عندما يلج موضوعاً ويكتب عنه او يتطرق الى مضامينه فإنه يستفذ فيه أغراضه كلها من اول وهلة، فلو حاول ان يكتب فيه ثانية او ثالثة فأنه سيأخذ باجترار المادة السابقة نفسها: لأنه ليس هناك من مادة جديدة يستطيع ان ينهل منها لكن، واقعة الطف في حقيقتها عطاء ثرٌ ما ان تعاود الاقلام حتى تجد ذلك الينبوع المتدفق المليء بالعطاء.ان الدم الذي أراقه سيد الشهداء الحسين في كربلاء كان حياً وسيبقى، والسر في ذلك انه امتداد لدماء الانبياء، وقد بقيت دماء الانبياء المراقة في سبيل الله حية لم تمت، انما اخذت طريقها الى الخلود في الحياة، والان دماء الشهداء اصوات تردد في الفضاء وهي مواقف والمواقف لا تموت انما الذي يموت الجسد فقط. اما الموقف فيبقى ويعيش الى ان تنتهي الدنيا. ﴿وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ﴾فالحسين لو بقي في المدينة لحاصر التاريخ حركته وأذابها، ومما يؤسف له ان حركته ونهضته لا يعرفها الا قليل من المسلمين لأن وسائل الاعلام الاسلامية تصرفت وكأن الامام الحسين لا يعنيها وكأنه محسوب على فئة خاصة في حين انه لكل المسلمين بل هو عطاء للدنيا بأجمعها وليس لنا وحدنا، لأنه ابن الرسول وهو أيضاً سيد شباب اهل الجنة فهو صوت من أصوات الحق خرج ليقارع الباطل وهذا الصوت يجب ان ينتشر فالمفروض ان تأخذ نهضته أبعادها الى مسامع المسلمين كافة لا ان ينحصر بفئة ما، فالمفروض على كل مسلم أن يمر بنهضة الحسين ويكتنه أسرارها، فحين نسمع تاريخ الحسين نسمع صوت النبي يعبر عن الحسين (حسين مني وانا من حسين) فالمفروض ان ينفتح التاريخ على سيرة الحسين في سبيل اكتناه أسرار نهضته لكن مع الاسف ان هناك القليل من المسلمين يعرفون اسرار هذه النهضة.يوم الأربعين من كلِّ سنة؟ هل هو يوم العشرين من صفر؟ أو هو يوم التاسع عشر من شهر صفر؟ ذهب الشيخ البهائي - قدس الله نفسه الزكية- إلى أنَّ الصحيح هو أنَّ يوم الأربعين ليس يوم العشرين من صفر، وإنما هو يوم التاسع عشر من شهر صفر من كلِّ سنة، وذلك لاحتساب يوم العاشر واحداً من الأيام، فعندئذ يكون يوم الأربعين من شهادة الإمام الحسين هو يوم التاسع عشر وليس هو يوم العشرين من صفر. هذا ما ذهب إليه الشيخ البهائي(3) -قدس الله نفسه الزكية-.والمقصود بـ «زيارة الاربعين» الواردة في كلام الإمام العسكري هو زيارة مولانا الإمام الحسين في العشرين من صفر، وهذه السيرة متصلة بالمعصومين الذين حثّوا على الزيارة المطلَقة للإمام الحسين، بل كانوا يولون بعضَ مواليهم للدعاء تحت قبّة الإمام الحسين. بل علمنا سابقاً أنّ الإمام السجّاد زار أباه يوم العشرين من صفر، مما يدلّ على استحباب هذا العمل. ولا يخفى أنّ سيرة المتشرعة حجة يُستكشَف منها مشروعيّة الفعل الدال على الوجوب والاستحباب، وحيث إنّ المؤمنين لا سيّما المتشرِّعة منهم يواظبون على زيارة الأربعين الحسينيّة دلّ ذلك على استحبابها ورجحان مشروعيتها. حيث ان إجماع فقهاء الإماميّة على استحباب زيارته يوم العشرين من صفر، ونقلنا قسماً من كلمات بعض فقهاء الإماميّة على ذلك، ولم يعترض أحدٌ على الإستحباب أصلاً سوى بعض مَنْ لا تحصيل لديه في المسألة، وهذا الفرد أو ذاك لا يضرّ خروجه من الإجماع المنعقد في المسألة. وإنّ دخول الألف واللام العهديةّ على كلمة «أربعين» إشارة للتنبيه على أنّ زيارة الأربعين من سنخ الأمثلة التي نصّ عليها الحديث بأنّها من علائم الإيمان والموالاة للأئمّة الإثني عشر.واللام العهديّة تدخل على المسنَد إليه للإشارة إلى فرد معهودٍ خارجاً بين المتخاطبين، وهذا نظير قوله تعالى: ﴿كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا ٥١ فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ﴾ فالرّسول محلَّى باللام العهديّة التي دخلت على الإسم المسنَد إليه، فالرّسول في الآية كان معهوداً في زمن فرعون وهو موسى النبيّ، وفرعون الزنديق عصى موسى الرّسولَ المعهود يومذاك.وهنا هكذا: فإنّ «الأربعين» اسمٌ أُسنِدَ إليه الألف واللام العهدية حيث إنّ زيارةَ الإمام يوم الأربعين من يوم شهادته أمرٌ معهودٌ بين الشيعة، لذا لم تقتضِ الضّرورةُ ذِكْرَ قيدٍ لفظيٍّ أو قرينةٍ لفظيّةٍ تحدِّدُ أو تقيِّدُ اللفظَ المذكور باليوم المعهود وهو العشرون من صفر، فثمة قرينة حالية أوجبت فهم العلماء الأعلام من هذا الجملة خصوص زيارة الإمام الحسين، والقرينة الحالية هي السيرة القائمة على زيارة الإمام في العشرين من صفر.فالحاصل: حيث لا توجد قرينة تدلّ على أنّ الأربعين هو أربعون مؤمناً، وحيث إنّ اللام تُفيد العهدَ، وحيث إنّ السيرة العمليّة للفقهاء والأعلام والمتدينين يحيون يوم العشرين من صفر وهذه السيرة مرتبطة ومتصلة بعمل الإمام زين العابدين وعقائل الوحي وبعض صحابة النبيّ كجابر، يتضح حينئذٍ استحباب ومشروعيّة زيارة الأربعين الحسينيّة، ولا يُقصَد من حديث الإمام العسكري ما توهّمه بعضُهم.وبهذا التقريب يتضح أنّ المراد بزيارة الأربعين في الحديث هو زيارة الإمام الحسين المظلوم، والزائر له في كلّ الأزمنة والأوقات تحت رعاية الله تعالى ولطفه ورحمته، والزائر يكون مشمولاً لدعاء الإمام الصّادق فقوله: «اللهمّ يا مَن خصَّنا بالكرامة ووَعَدَنا بالشفاعة، وخصّنا بالوصيّة وأعطانا علم ما مضى وعلم ما بقي، وجعل أفئدةً من الناس تهوي إلينا، إغفر لي ولإخواني وزوّار قبر أبي عبد الله الحسين، الذين أنفقوا أموالَهم وأشخصوا أبدانَهم رغبةً في بِرِّنا ورجاءً لما عندكَ في صلتنا، وسروراً أدخلوه على نبيِّكَ وإجابةً منهم لأمرنا، وغيظاً أدخلوه على عدوّنا، أرادوا بذلك رضوانك، فكافِهِم عنا بالرِّضوان واكلأهم بالليل والنّهار، وأخلِفْ على أهاليهم وأولادهم الذين خلَّفوا بأحسنِ الخَلَفِ، واصحبْهُم واكفِهِمْ شرَّ كلِّ جبّارٍ عنيدٍ، وكُلِّ ضعيفٍ من خلقك وشديدٍ، وشرَّ شياطين الإنس والجنّ، وأعطِهِمْ أفضلَ ما أملوا منكَ في غُربَتِهِم عن أوطانهم وما أثرونا به على أبنائهم وأهاليهم وقراباتهم، اللهمّ إنّ أعداءَنا عابوا عليهم بخروجهم فلم ينهَهُم ذلك عن الشّخوص إلينا خلافاً منهم على مَن خالفنا، فارْحَمْ تلكَ الوجوه التي غيَّرَتْها الشّمسُ، وارْحَمْ تلكَ الخدودَ التي تتقلّبُ على حفرةِ أبي عبد الله الحسين وارْحَمْ تلكَ الأعينَ التي جَرَتْ دموعُها رحمةً لنا، وارْحَمْ تلك القلوبَ التي جزعَتْ واحترقت لنا، وارْحَمْ تلكَ الصّرخةَ التي كانت لنا، اللهمّ إني أستودِعُكَ تلك الأبدان وتلك الأنفسَ حتى تُوافيهم من الحوض يومَ العطش».استعمل الباحثان المنهج الوصفي في بحثهما الحالي فضلاً عن أنهما اعتمدا طريقة تحليل المحتوى (المضمون) «وهو أسلوب للبحث يهدف وصف المضمون الظاهر للرسالة وصفاً موضوعياً ومنظماً وكمياً» (عبد الرحمن: 1982: 237). ولاستخراج مؤشرات البناء النفسي الموجودة في محتوى أحاديث وروايات آل البيت، اتبع الباحثان أسلوب تحليل المحتوى بوصفها الطريقة الملائمة للكشف عن هذه المؤشرات وتضمن أسلوب التحليل وحدة الفكرة أو الموضوع الذي تدور حوله بوصفها مؤشرات للبناء النفسي للانسان. وقد أكد الباحثان على ضرورة أن تكون هذه الطريقة موضوعية ومنهجية، ولأجل تحقيق هذه المتطلبات ينبغي أن يكون للبحث تصنيف ووحدات للتحليل، ووحدات للتعداد، وقواعد واضحة وصريحة بطريقة التحليل وقياس ثبات التحليل (Holdti: 1964: 5)حيث قام الباحثان بجمع الاحاديث عن الروايات للمعصومين وعملوا تحليل محتوى وهو احد اساليب المنهج الوصفي يعتمد على تحليل المقالات او الروايات او الاحاديث واستنتاج المعنى الحقيقي منها، وعرضت على خبراء مختصين في هذا المجال ثم خرجت الدراسة بعدد من النتائج والتوصيات.والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين، وخاتم النبيين، حبيب إله العالمين أبي القاسم محمد، وعلى آله الأخيار الأبرار، الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.